بمناسبة الثامن من آذار يوم المرأة العالمي

بمناسبة الثامن من آذار يوم المرأة العالمي

المرأة كأول طبقة تعرضت للاضطهاد والاستغلال عبر التاريخ، تسعى اليوم جاهدة في عموم العالم لإعادة تدوين التاريخ وتصحيح مساره. ورغم كل الأشكال التي تمارسها نظام الحداثة الرأسمالية من جهة، وأشكال الأنظمة الهرمية التقليدية من جهة أخرى. فإن المرأة فرضت حضورها في الشأن العام، مؤسساتياً وفردياً، رغم كل المعوقات التي تقف حجرة عثرة في طريقها.
لا يخفي على أحد أن صدام المرأة مع المعوقات تبدأ من مؤسسة العائلة تاريخياً وثقافياً، كونها المؤسسة الأولى التي أدرجت المرأة في خانة القمع والعبودية، لكن رمزية العائلة الهرمية التسلطية تحولت لاحقاً لتصبح شكل القوة والقمع في المجتمع ومؤسسات السلطة ضد المرأة. اليوم تكافح المرأة على كافة المستويات لتعيد إنشاء حقيقتها بما يتوافق مع التحرر الجاد والحقيقي في كل مؤسسات المجتمع، وتقف في وجه كافة أشكال القمع والعنف بما في ذلك الحروب الدولية والمحلية المستفحلة، ومن أجل ذلك تحديداً، تقف المرأة مع حركات السلام لطي صفحة العنف والحروب المستدامة في عصرنا. وما مقاومتها في روج آفا- شمال شرق سوريا في وجه أعتى التنظيم التوحشي في العالم إلا برهاناً عملياً صوب هذا الدرب.
علاوة على ذلك، برهنت الأبحاث العلمية والنفسية والثقافية مدى علاقة المرأة مع الطبيعة، ولأن الطبيعة تعرضت وتتعرض لحملات التدمير الشامل منذ بداية التاريخ الحضاري السلطوي لغاية اليوم، فإن أزمة البيئة اليوم والهجوم السلطوي على الحياة الحيوية تتطابق تماماً مع الاستغلال الممارس بحق المرأة وجميع الفئات المضطهدة، وهي في ذلك تسعى اليوم مع حركات البيئة في ربوع العالم، من أجل وقف المجازر والإبادة بحق البيئة، إذ تشدد المرأة التي تدعو إلى التحرر الحقيقي الجاد بوجوب حل معضلة البيئة مع إنهاء الاستغلال بحق المرأة في المقام الأول، وهي بذلك تمسك عصب الأزمة القائمة في عصرنا، وتحاول بشتى الوسائل المتاحة وضع حلول جذرية لكارثة البيئة التي تواجه الجنس البشري اليوم.
ولأن المرأة تدعو إلى التحرر الاجتماعي وفق قاعدة المساواة والعدالة الاجتماعية، فهي لا تدعو إلى التحرر من أجل هويتها لوحدها فقط، فهي تدرك جيداً أن نضالها ستبقى معزولة فيما لو انحصرت في خانة الهوية الضيقة، فثمة فئات اجتماعية تعاني من الاستغلال والقمع، مادياً ومعنوياً، ونضال من أجل هذه الفئات في سبيل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، تعتبر قضية محورية في مسيرة المرأة التحررية، فمفهوم الحياة الندية المشتركة، ينبغي أن يعمم على كافة المؤسسات الاجتماعية، ومسألة الحرية والعوز الاجتماعي يجب أن تشمل كل الفئات المضطهدة، والمرأة التي تدعو إلى التحرر الجذري مثل ما يجري حالياً في روج آفا- شمال شرق سوريا، ترفع هذه القضايا في قلب أجندتها اليومية والاستراتيجية، وهي حتماً محقة في ذلك.
وأخيراً، لا ينبغي أن تقتصر مقاومة المرأة في النطاق الفردي والاجتماعي الضيق، فالقيم العالمية مثل الحرية والعدالة والمساواة، تحتاج صقلها بالقوانين العادلة وبالوثائق الدستورية الثابتة، ومن أجل ذلك تحديداً، ينبغي أن يفهم من نضال المرأة على أنه نضال دستوري وأخلاقي في المقام الأول. ولا ينبغي التحايل والتسويف على هذا الأمر واستغلال حقوق المرأة لغايات تخدم القوى التي تتحكم في السلطة والقوة والنفوذ. فمن وحي سلب حقوق المرأة، تكسب المرأة قوتها المعنوية والمادية من أجل تحقيق حقوقها العادلة، وهي عندما تصرخ في يوم عيد المرأة العالمي، فهي تصرح وهي متسلحة بهذه الحقائق الثابتة والراسخة. مجدداً، لا يمكن مقياس العدالة والمساواة والتحرر الحقيقي إلا من بوابة حقوق المرأة ودرها الحيوي في المجتمع.
شرفان درويش
الناطق الرسمي باسم مجلس منبج العسكري _٧/٣/٢٠٢٢