منبج المفتاح الأساسي لتاريخ المنطقة

تقع مدينة منبج في الشمال الشرقي من مدينة حلب السورية، على بعد 80 كم بالقرب من نهر الفرات، وتقوم على أرض فسيحة ترتفع نحو 398م عن سطح البحر، المعدل السنوي لأمطارها يزيد على 250مم1. تنحدر نحو الفرات في الشرق، وتبعد عن ضفته الغربية 15 كم، وتمتد نحو نهر الساجور في الشمال ونهر أبو قلقل في الجنوب وهما من روافد الفرات، حيث أطلق عليها قديماً عاصمة سورية الفراتية.

إدارياً كانت تتبع إدارياً لمحافظة حلب ومركزها مدينة منبج، يبلغ تعداد سكان منطقة منبج 408,143 نسمة، حسب التعداد السكاني لعام 2004.

تسمية منبج

بالنظر لأسماء منطقة منبج عبر مراحل التاريخ نلاحظ جلياً مدى عراقة وأصالة هذه المنطقة، والحضارات التي مرت عليها، لذلك تُعرف الآن باسم مدينة الكتاب نتيجة للثقافة التي اكتسبتها من تلك الحضارات.

ومن أبرز هذه الأسماء هي (مدينة هيرابوليس/ Hierapolis) يعني المدينة المقدسة، و( مدينة أبروقيش أو أبروقليس) يعني مدينة الكهنة، (مدينة ليتا آشور/ Lita-Ashur)، و(مدينة أديسه/ Edessa)، و( مدينة العواصم)، و(مدينة منبه)، و( مدينة سرياس). وفي عهد الحثيين كان اسمها مابوغ (Mabog) وعندما سيطر الآشوريون على منبج، كانت تُسمى آنذاك نامبيجي (Nampige) أي النبع، بينما دعاها الآراميون نابيجو (Nappigu)، ومع مرور الزمن تحول اسمها إلى مدينة مابوغ (Mabug) أي النبع أيضاً، ودعاها اليونانيون باسم بامبيكة أو بامبيسي (Bambyce)، وفي العصر الروماني عرفت باسم هيرابوليس (Hierapolis) أي المدينة المقدسة. واعتباراً من العصر البيزنطي، أصبحت منبج إقليم الفرات، ونقطة عسكرية هامة ضد الفرس الساسانيين، لما كانت تتمتع به المدينة من أهمية دينية، إضافة إلى أهميتها التجارية والعسكرية.

تاريخياً

بحسب المعلومات المتوفرة عن مدينة منبج والدراسات التي ظهرت عن منبح، أنها كانت ضمن مملكة “بيت عديني” الآرامية الواقعة بين البليخ شرقاً وضفتي نهر الفرات الأوسط غرباً، وكانت عاصمتها مدينة برسيب (تل أحمر حالياً) الواقعة إلى الجنوب من مدينة جرابلس.

وقبيل سيطرة الإسكندر المقدوني على المنطقة، كانت المدينة تحت حكم أسرة عبد حدد، وهي أسرة آرامية، وأصبحت منبج في ظلها مركزاً لعبادة الإلهة آتارغاتيس.

وبعد سيطرة الإسكندر المقدوني على المنطقة، أعادت زوجة سلوقس الأول (خليفة الإسكندر) بناء معبدها للتدليل على مدى احترام السلوقيين لهذه الآلهة. ومما زاد في أهمية منبج وأصبحت خط الدفاع الأول في مواجهة الفرس في العصر الهلنستي، واستمرت في لعب هذا الدور في العصرين الروماني والبيزنطي فيما بعد.

وقد كانت المدينة محصنة بسور منيع تعرض للتخريب والتهدم بعد هجرها، وفي عهد الإمبراطور جوستنيان اتخذها قاعدة له بعد أن أمر بترميم أسوراها وأخذت الجيوش تنطلق منها للإغارة على بلاد الفرس؛ وفي العصور المتأخرة، أخذت حجارة السور وأبنية المدينة لاستعمالها من قبل الأهالي في بناء منازلهم إضافة إلى حجارة أبنية المدينة الأخرى. وحتى الوقت الحاضر لا تزال هذه القطع الحجرية موجودة داخل المنازل التي تمثل أجزاء من أعمدة، وقواعد أعمدة، وسواكف.

وعندما بدأت الفتوحات الإسلامية كانت منبج تحت الحكم البيزنطي، إلا أنها تحررت على يد أبي عبيدة، وبقيت المدينة بعدها نقطة حدود أيام العصر العباسي خاصة في عهد الخليفة هارون الرشيد 786م، الذي أعاد تنظيم الحدود الشمالية لدولة الخلافة العباسية، فعمد إلى فصل منبج عن جند قنسرين وجعلها مركز منطقة العواصم الجديدة والتي تضم المناطق الحدودية السورية والجزيرة العليا، وبذلك أصبحت تُشكل خط التماس الأول مع البيزنطيين.

وفي زمن سيف الدولة الحمداني، استعرت المعارك بين الدولة الحمدانية والبيزنطيين، وقد زادت أعباء سيف الدولة مع أنه وقَع مع الإخشيديين خلفاء الطولونيين صلحاً في عام 945م حصل بموجبه على إقليم واسع يتألف من عواصم أنطاكية ومنبج؛ في حين استعادت هذه الأخيرة أهميتها بسبب قربها من مدينة حلب ولثروتها الزراعية، وقربها من نهر الفرات قرب معبر على النهر دعي باسم جسر منبج حيث تقوم قلعة نجم، وبقيت منبج هدفاً للبيزنطيين خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، مما جعل الحرب بين الطرفين شبه مستمرة.

أصبحت منبج بعد ذلك تحت سلطة الزنكيين، حتى حررها صلاح الدين الأيوبي 1176م. وبوفاة الملك الصالح أيوب ملك مصر، واغتيال ولده توران شاه، انتقل الحكم إلى المماليك؛ وقد تعرضت بلاد الشام خلال حكمهم إلى غزوين.

أولهما بقيادة هولاكو المغولي الذي 1258م، أما الغزو الثاني فكان بقيادة تيمورلنك، الذي غزا في عام 1401م شمال سورية، واستولى على مدينة حلب ومنبج، وهدم هذه الأخيرة بعد أن فتك جنوده بسكانها، كما فعلوا ذلك بحلب ودمشق.

وفي عام 1517م كان آخر سلاطين المماليك قونصوه الغوري الذي هزمه العثمانيون في معركة مرج دابق قرب حلب، وبذلك انتقلت السيادة من المماليك إلى العثمانيين، وأصبحت منبج جزءاً من أملاك السادة الجدد، وفقدت المدينة أهميتها بعد ذلك التاريخ ولم يطرأ عليها أي تغيير في ظل الحكم العثماني سوى أنها استقبلت أفواجاً من الشركس المهاجرين من القوقاز عام 1878م ليقيموا فيها ويصبحوا من مواطنيها.

دمرت وحطمت بشكل كامل أو بشكل جزئي عدّة مرات عبر التاريخي

أول عملية تدمير لمنبج بحسب المصادر التاريخية تمت زمن فرعون الأعرج الذي أحرق المدينة سنة 600 ق.م، وفي عام 53 ق.م نهب كراسوس معبد منبج، بعد أن قتل عدداً كبيراً من سكان المدينة. ودمرها الساسانيون عن بكرة أبيها عام 363م. وفي سنة 540م هاجم الامبراطور كسرى بلاد ما بين النهرين وسوريا ودمر منبج. واستباح المدينة صاحب القسطنطينية سنة 462 هـ وقتل واسر المئات من أبناءها في تلك الحقبة. في سنة 1240م استولى الخوارزميون على مدينة منبج بعد أن قتل وأسروا أبناءها ونهبوا كافة مقتنياتها، واعتبرت حقبة الخوارزميين من أبشع وأفحش الحقب التي مرت على منبج.

وفي عام 598 هـ هدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الناصر صلاح الدين يوسف قلعة منبج (وهي قلعة كانت موجودة وسط المدينة في حي التبة بالقرب من خزان المياه ) خوفاً من انتزاعها منه. وسنة 657هـ /1258م دمر هولاكو المدينة. وفي سنة 744هـ/1344م تهدمت مدينة منبج بشكل كامل نتيجة قوة الزلزال (6.5 درجة)‏ حصل 2 كانون الثاني 1344م، وأصبحت المدينة خراباً ووصل عدد الضحايا إلى 57000 شخص.

سنة 804 هـ/ 1401م غزا منبج تيمورلنك شمال سوريا، واستولى على منبج وجعلها مقراً لقيادة حملته على سوريا وبعد ذلك هدمها ولم يبقِ حجراً فوق حجر، وترك جنوده يفتكون بسكانها، وهكذا أصبحت منبج مدينة خاوية على عروشها، وفي هذه الفترة توقفت الحياة في منبج التي بقيت مهجورة وسكنها الخراب قرابة ال 500 سنة.

ماذا قُيل عن منبج

الدكتور وليد مشوح، كاتب سوري ولد عام 1944 في دير الزور، كتب عن منبج في كتابه “حضارة وادي الفرات”: “منبج مدينة عريقة في القدم كان لها شأن قبل الإسلام وبعده يرجع تاريخها إلى ما قبل الحثيين في هذه البلاد وكانت العاصمة الدينية لكل بلاد الآراميين الذين كان لهم ممالك على شواطئ الفرات وفي بلاد ما بين النهرين وداخل سورية”.

ويشير عبد القادر عياش باحث ومؤرخ وأديب وصحفي ومحامي وقاضي سوري، نشر أكثر من 117 بحثاً وكتيباً عن وادي الفرات عامةً ودير الزور خاصةً، وتعتبر مؤلفاته مصدراً علمياً ومرجعاً أساسياً لكل باحث أو دارس، حول منبج بالقول: “رفع الامبراطور “قسطنطين” مكانة منبج فأصبحت عاصمة سورية الفراتية، وكانت مدينة محصنة أشاد فيها الامبراطور “يوستنيان” اسوراً منيعة عجز عن اقتحامها كسرى الأول “أنو شروان” عام 540هـ لما زحفت على رأس جيش من 30 ألف جندي على سورية، فاكتفى بمطالبتها بـ3 آلاف دينار دفعتها واشترت بها سلامتها، وفي العهد البيزنطي كانت منبج أحد المراكز المهمة لأصحاب عقيدة الطبيعة الواحدة في المسيح، وفي سنة 1302 هــ أمر السلطان عبد الحميد بترميم جامعها القديم وهو من آثار نور الدين الزنكي الذي بني سنة 551 هــ كما هو مرقوم على حجر في مئذنته وأمر ببناء مدرسة على نفقته أيضاً”.

الرحالة الأندلسي أبو الحسين محمد بن أحمد جبير وصف منبج في كتابه “رحلة ابن جبير” عام 580 هـ بالقول: “منبج بلدة فسيحة الأرجاء، صحيحة الهواء، يحف بها سور عتيق ممتد الغاية والانتهاء، جوها صقيل ومجتلاها جميل، ونسيمها أرج النشر عليل، نهارها يندي ظله وليلها كما قيل فيه سحر كله، تحف بغربيها وشرقيها بساتين ملتفة الأشجار مختلفة الثمار كانت من مدن الروم العتيقة ولهم فيها من البناء آثار تدل على عظم اعتنائهم بها ولها قلعة حصينة”.

بالنظر إلى التاريخ القديم والحديث لمنطقة منبج نلاحظ جلياً بأن المدينة كانت تتعرض للتدمير والإبادة بين الفينة والأخرى، إلا أن تلك الحملات والتدمير لم يثني عزيمة وإصرار المدينة على البقاء والحفاظ على رونقها ووجودها. اكتسبت مكانة تاريخية واستراتيحية بفضل موقعها الفاصل بين شرقي نهر الفرات وغربيه، وقربها من نهر الفرات والحدود السورية التركية ومدينة حلب، لذلك ظلت دائما مركزاً للحراك الثقافي والاجتماعي الحي.

منبج…بين السياسة العثمانية والبعثية:
اكتسبت منطقة منبج مكانة تاريخية واستراتيجية بفضل موقعها الفاصل بين شرقي نهر الفرات وغربيه، وقربها من نهر الفرات والحدود السورية التركية ومدينة حلب، كما تُعد صلة الوصل بين مختلف مناطق الريف الشرقي والشمالي لحلب، لذلك ظلت دائما مركزاً للحراك الثقافي والاجتماعي الحي. وحاول كل من العثمانيين والنظام البعثي إبان حكمهما على منبج تغيير ديمغرافيتها وتهجير سكانها.
بعد غزوة تمورلنك لشمال سوريا سنة 804 هـ/ 1401م، واحتلاله لمنبج وجعلها مقراً لقيادة حملته على سوريا وإقدامه على هدمها، بحيث لم يبقِ حجراً فوق حجر، وترك جنوده يفتكون بسكانها، تحولت مدينة منبج إلى مدينة خاوية على عروشها، وتوقفت الحياة في منبج التي بقيت مهجورة قرابة الـ 500 سنة أي حتى بدايات عام 1900.

ووصف الرحالة هنري ماندريل وهو كان أكاديميًا في جامعة أكسفورد، وكاهنًا أنغليكانيًا، ومرشداً لشركة المشرق في سوريا أثناء زيارته لمنطقة منبج في عام 1697م قائلاً : “لم يبق لهذا المكان من عظمته شيئاً” لقد كانت منبج مدينة مدمرة تماماً، ويعمها الخراب والفوضى، و في الجهة الشرقية ما يزال بعضاً من أجزاء سور المدينة سليماً و لم يدمر بعد، وفي الجهة الغربية من المدينة توجد حفرة عميقة، مليئة بالماء، بقطر 100 ياردة (91,4 م )، ويضيف “على ما يبدو أن هذه البحيرة الصغيرة كانت محاطة بأبنية عظيمة”، وقد استنتج وجود هذه الأبنية العظيمة من خلال الأعمدة والحطام المتبقي حول هذه البحيرة.

وفي عام 1850م زار الكولونيل تشيسني وهو جنرال ورحالة بريطاني، إيرلندي من أصل اسكتلندي مدينة منبج ووصفها بالقول “إنها مدينة محطمة تقع وسط سهل صخري في مكان منعزل”.

ترحيل 350 عائلة شركسية لمنبج

وبهدف تغيير ديمغرافية منطقة منبج قام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1878 بإرسال 350 عائلة شركسية إلى منبج، ليقيموا فيها ويصبحوا من مواطنيها، وفي نفس الآونة قامت الدولة العثمانية بحملة إبادة ضد الأرمن استمرت حتى عام 1923.

ولمنح المدينة طابعاً عثمانياً قامت الدولة العثمانية في عام 1904 ببناء حمام للعامة في السوق وكتب عليها باللغة التركية “السلطان يبارك لأهل المدينة بهذا الحمام”. بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى بين 1914- 1918 تحالفت الدولة العثمانية مع مجموعة دول المحور الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية ومملكة بلغاريا. ضد المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا، فرنسا والإمبراطورية الروسية.

وقامت الدولة العثمانية في تلك الآونة بإعلان النفير العام (سفربلي) واقتادت كل من يستطيع حمل السلاح في المناطق الخاضعة لسيطرتها وزجهم في الحرب الدائرة ومن بين هذه المناطق منطقة منبج.

ومن أبرز نتائج الحرب العالمية سقوط الامبراطورية العثمانية وتقسيم المشرق العربي بعد الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين إلى كانتونات تخضع لسيطرة دول الانتداب ضمن ما عرف باتفاقية سايكس بيكو، فوضعت سوريا ولبنان والموصل تحت الحكم الفرنسي والأردن فلسطين تحت الانتداب الإنكليزي.

ظل وضع منطقة منبج على ما هو عليه بعد الانتداب الفرنسي وحال جلاءه عن سوريا، والتطورات التي حصلت في تلك الآونة تمت عن طريق أبناء المنطقة وسكانها الأصليين.

بعد جلاء الانتداب الفرنسي عن سوريا عام 1946، أخذ الناس يمارسون الديمقراطية وينضمون إلى الأحزاب السياسية المختلفة، وبدأت المدارس تنتشر في منبج وقراها. وإنشاء أول مركز ثقافي في منبج باسم المركز الثقافي العربي في منبج.

البعث انتهج نهج تركيا في منبج

وأثناء استلام حزب البعث العربي على مقاليد الحكم في سوريا، وبهدف إحكام قبضته على سوريا، مارس النظام البعثي سياسة ضرب المكونات بعضها بعض، وتهجير البعض من موطنهم وتوطينهم في مناطق أخرى، وبشكل خاص بحق أبناء روج آفا حيث طبق فيها سياسة بموجب مشروع محمد طلب هلال، وبحجة غمر مياه بحيرة سد الفرات لقرى منبج الجنوبية أصدرت حكومة حزب البعث قراراً بترحيل الآلاف من العوائل من هناك إلى إقليم الجزيرة الحالي، وتم توطينهم على طول الشريط الواصل بين مدينة سريه كانية وحتى مدينة ديرك على شكل 43 مستوطن وتعرف حالياً باسم (الغمر).

سياسات النظام البعثي بحق أبناء منطقة منبج لم تتوقف أبداً، ففي عام 1982م طوقت دبابات النظام مدينة منبج بعض قرى منبج بسبب انضمامها للحراك المناهض لسيطرة حزب البعث على حكم سوريا وانفراده بالسلطة من قبل الإخوان المسلمين، ونشر النظام في تلك الفترة الخوف والرعب في كل مكان. وفي عام 1999 أجبرت حكومة البعث المئات من أهالي القرى المحاذية لنهر الفرات في منبج على الرحيل إلى ريف مسكنة، لأن قراهم وأراضيهم غُمرت بمياه سد تشرين.

لم تشهد مدينة منبج أي تطور رغم موقعها الاستراتيجي إبان حكم حزب البعث، على العكس حاول النظام جاهداً تشتيت وتفكيك منبج التي تتمتع بالطابع العشائري وحاول النظام وساهم إلى حد كبير بإحداث خلافات ونعرات بين أبناء عشائر منبج، عبر منح بعض الامتيازات لبعض العشائر على حساب الأخرى.

أبرز عشائر منبج

وتوجد ضمن مناطق منبح عشائر كثيرة منها عربية ومنها كردية؛ فالعشائر العربية يوجد منها أكثر من 30 عشيرة وكل عشيرة لها عدّة أفخاذ ومن أبرز هذه العشائر:

بني سعيد والبوبنا، الغنايم، الخنافرة، المجادمة، البكارة، البوسلطان، بني عصيد، الولدة، التركمان، النعيم، ولدعلي، البرق، الجلاد، الخراج، الدمالخة، العون، الغلاض، البوصلاح، الحمدون، بني جميل، البوعتيق، العميرات، الشريرات، والمسرات، والبودبش، وشمر، والبراغشة، والعجلان، والبوبطوش، وعجيل بني سعيد، والشيوخ، والبوعجور، الجعابرة، الحسان، المفاليج، الحليسات، الحريصات، الصريصات، التوامات، الحديديين البوخميس، البومسرة، الوردات، البومانع، خفاجة، والغانم، الجعابات، البوحسن، الصعب، أبوعيسى، الحديفة، الغراويين، العدوان، السبخة أبو مسلم، الخايط، الجيسات والقرامطة.

كما يوجد تواجد قوي لعدة عشائر كردية مثل عشيرة الكيتكان ولها أفخاذ كثيرة في المدينة إضافة إلى عشائر قرو بك وعلي دين وغيرها.

بعد اندلاع الثورة السورية شاركت منبج في الاحتجاجات المناوئة للنظام وخرجت فيها أول مظاهرة بتاريخ 21 نيسان 2011م، وتمكنت بعض الفصائل المسلحة من السيطرة على مدينة منبج في 19 تموز 2012م، ولم تتمكن تلك الفصائل من إدارة المنطقة وقامت بسلب ونهب آثار المدينة وكل ما تواجد فيها بحجة الثورة، بالرغم من تعيين تلك الفصائل مجلس محلي لمنبج.

بعد سيطرة الفصائل المسلحة على منبج عمت الفوضى أرجاء المدينة والمنطقة، وتنازعت تلك الفصائل فيما بينها، حتى كانون الثاني 2014م حيث سيطرت مرتزقة داعش على كامل المدينة وتحولت مدينة منبج الثقافية إلى مدينة تغطيها غيمة سوداء.

الحقبة السوداء ورفض الخنوع لداعش:
شهدت مدينة منبج في الفترة ما بين عام 2014 وحتى ما بعد منتصف عام 2016، حقبة سوداء، وتحولت إلى المعقل الرئيسي للمرتزقة الأجانب الوافدين من الخارج عبر الحدود التركية إلى سوريا، دمرت فيها المساجد وقتل الأئمة، وتحولت منبج إلى سجن كبير والحياة الاجتماعية تحولت إلى حياة مأساوية.
بعد اندلاع الثورة السورية شارك أهالي منبج في الاحتجاجات المناوئة للنظام، وخرجت منبج في أول مظاهرة بتاريخ 21 نيسان 2011م، وفي 19 تموز 2012 تمكنت بعض الفصائل المسلحة وهي “كتيبة الكرامة، مجاهدي الكرامة، النعمان، القعقاع، العاديات، عمر بن الخطاب، ثوار منبج، شهداء منبج، علي بن أبي طالب، الشيخ عقيل، الحرمين، أم العواصم، جند محمد، السلطان سليمان شاه، البخاري، سيف الإسلام، أحرار سوريا، الأمنية، مجاهدي منبج، فجر الإسلام، رماح الرافدين، جيش الإسلام أحرار الشام، أنصار السنة، صقور الشام، أحرار منبج، الفاروق، عباد الرحمن، القوة 17، الحرس الثوري، عائشة، النصر، فرسان الفرات، أبو أيوب الأنصاري، طارق بن زياد، أجيال المستقبل، أبو عبد الله البكاري، الأمة، الصفا والمروة، ثوار سوريا، كتيبة الصالحين، الشيخ صالح، عمار بن ياسر، أصحاب اليمين، الحريري، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. من انتزاع السيطرة على مدينة منبج من قبضة النظام السوري.

إلا أن هذه الكتائب لم تقم بأي شيء يذكر لأهالي المدينة، بل قامت بتوزيع المناطق والأحياء والمراكز والمرافق العامة فيما بينهم، وعمت الفوضى المدينة والقرى التابعة، ونشبت خلافات وصلت لحد الاقتتال فيما بينهم، وفي شهر آذار عام 2013 هاجم مرتزقة داعش مدينة منبج وتمكنوا من السيطرة على كامل المدينة في كانون الثاني عام 2014.

بعد أن طرد داعش جميع عناصر تلك الكتائب من منبج، أصبحت المدينة تحت سيطرة المرتزقة بشكل كامل. رحّب بعض الأهالي بهم باعتبارهم دخلوا في البداية تحت اسم الكتائب الإسلامية. وبعدها انكشف الوجه الحقيقي لداعش. وتحولت مدينة منبج الثقافية إلى مدينة تغطيها غيمة سوداء جاهلية.

وتكمن أهمية منبج بالنسبة لمرتزقة داعش كونها تعد طريقاً استراتيجياً يربط بين معقل داعش في الرقة وطريق إمداد رئيس للمرتزقة وقاعدة لاستقبال المرتزقة الأجانب لتدريهم وتصديرهم للخارج، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الحساس القريب من الحدود الشمالية مع تركيا، التي فتحت حدودها بشكل كامل أمام المرتزقة وسهلت لهم كافة الإمكانات اللوجيستية وحتى العسكرية والعدة والعتاد أيضاً لنشر سمومهم بين الشعب السوري.

المعقل الرئيسي للمرتزقة الأجانب

بعد سيطرة مرتزقة داعش على منبج تحولت المدينة إلى المعقل الرئيسي الثاني لداعش والأول للمرتزقة الأجانب الذين كانوا يدخلون إلى سوريا عبر الحدود التركية بتنسيق مباشر مع الاستخبارات التركية. وظهرت عشرات الوثائق تثبت العلاقة الوطيدة بين تركيا وداعش، منها الوثيقة التي عثر عليها مقاتلو مجلس منبج العسكري بعد تحرير المدينة من داعش، المؤرخة بتاريخ 5/7/2014 م، والتي تظهر تسهيل أجهزة تركية عبور مقاتلين أجانب إلى سوريا للانضمام إلى داعش وغيرها، وكذلك تسهيل نقل العتاد والمعدات لداعش سواء من تركيا أو عبرها.

ومن بين الوثائق التي نشرت، الوثيقة التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز والتي تشير إلى أن تركيا تدخل “سماد اليوريا” الذي يدخل في صناعة المتفجرات من تركيا إلى تل أبيض. وكشفت وثيقة أخرى وجود تجارة مباشرة بين تركيا ومناطق سيطرة داعش والعلاقة المباشرة بين داعش وأحرار الشام، وهذه التجارة تتم عبر المعابر على الحدود، فالوثيقة التي تم العثور عليها بحوزة مرتزقة وهي عبارة عن بطاقة تجارة مخصصة للتجارة عبر معبر تل أبيض، مكتوب عليها اسم الشخص التاجر وتحمل الرقم 0227. ومؤرخة بتاريخ 8 نيسان 2015.

كما نشرت وكالتنا عشرات الملفات التي تظهر علاقة تركيا بداعش، والمدن الحدودية التي تحولت إلى بؤر لداعش. وكيفية تجنيد الشباب في مخيم اللاجئين في تركيا.

ماذا فعل داعش في منبج؟

بعد ستة أشهر من احتلال داعش لمنبج بدأت حملات المداهمات على منازل المدنيين بحثاً عن السلاح أو أجهزة الاتصال أو الكمبيوترات، وحتى بحثاً عن المدخنين.

وفي كانون الثاني 2014 أعلنت مرتزقة داعش منطقة منبج ولاية تابعة له. وباشر داعش بفرض نهجه المتشدد على الناس. على مدخل البلدة تطالعك لافتة مكتوب عليها ولاية منبج. تدخل إلى المدينة معظم الجدران أصبحت مطلية باللون الأسود، تتوقف أمام معلمين هامين هما فندق منبج الشهير والمركز الثقافي، أضحيا شبه مدمرين، حولهما داعش إلى مقرّين لها، دهنت جدرانهما باللون الأسود وكتب عليها شعارات إسلامية. على سبيل المثال: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. وما الحكم إلا لله”.

تم إغلاق وحرق كافة محلات بيع التبغ، لا تجد شخصاً يحمل سيجارة في الطريق. كل من يُضبط متلبساً يُجلد أو يُسجن. يسمع صوت الأذان. يبدأ أصحاب الدكاكين والمحال بإغلاق أبواب محالهم لأداء الصلاة في المسجد. تسير سيارات مطلية بالسواد مكتوب عليها: “دولة الإسلام في العراق والشام – ولاية منبج”، ترصد هذه الدوريات كل من يخرق القوانين ويتخلف عن أداء الصلاة. تحت حكم القاعدة تختفي وجوه النساء تحت النقاب. لا تسير المرأة في الشارع من دون محرم. وممنوع للرجل أن يجلس زوجته أو أخته أو ابنته خلفه على الدراجة النارية، إحدى أهم الوسائل التي يستخدمها الناس في المدينة وربما في كل سورية.

يتجمهر أبناء منبج عنوة وسط المدينة حين تنادي “داعش” لإقامة حدّ على سارق أو زانٍ أو مرتد. يوضع الرجل في ساحة المدينة على خشبة مرتفعة عن الأرض ويقام عليه الحد أمام الملأ حتى يكون عبرة لغيره. قام داعش بإزالة المعالم الأثرية للمدينة بحجة أنها معالم وثنية. وباشر داعش بكسر الأضرحة داخل المقابر التي تعلو فوق سطح الأرض.

تدمير المساجد.. وقتل الائمة!

دمر داعش المساجد في المدينة، ففي أيار 2014 فجر مرتزقة داعش مسجد الشيخ عقيل المنبجي أحد كبار الصوفية بسبب وجود ضريح الشيخ داخل الجامع، ومنعوا أهالي المنطقة من تشييد أي بناء مكانه، “حتى الأموات لا يسلمون من شر داعش”. بعدها سيطر داعش على المساجد وعزل الأئمة والخطباء، وعيّن مكانهم خطباء جدداً يحملون فكر داعش.

رفض إمام الجامع الكبير محمد سعيد الديبو تسليم مسجده، وكان ينتقد تصرفات “داعش” ويعتبرها منافية لتعاليم الإسلام. قام التنظيم باعتقاله، خرج الناس بتظاهرات للمطالبة بإطلاق سراح شيخهم، أفرج عنه داعش، ليقتله بعد أسابيع أثناء ذهابه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر.

قام داعش بفتح دورات شرعية لمعظم أبناء منبج على نهجهم في كافة مساجد منبج، كانوا يجلسون الطلاب على الأرض بدلاً من الجلوس على الطاولات. يرسخون في عقولهم أن الإنسان يعيش في الدنيا لتطبيق حكم الله في الأرض، وأن السبيل للوصول إلى هذه الغاية هو الجهاد وبغية ترسيخ هذه الأفكار في عقول الناس.

هذه الدورات كانت شاملة لجميع الذكور وملزمة، كما أغلق داعش جميع مدارس منبج، وألزموا جميع المعلمين والمعلمات بتوقيع أوراق استتابة والخضوع لدورات شرعية من أجل افتتاح المدارس، وافتتحوا المدارس على شكل تجمعات، بدمج كل 10مدارس بمدرسة، وكان إقبال الطلاب يكاد يكون معدوماً بنسبة لا تتجاوز 5 %.

وأغلق داعش جامعة ابن خلدون التي تتضمن كانت عدداً من الفروع العلمية، بالإضافة إلى منع طلبة الجامعات الأخرى من الخروج من مناطق سيطرته لمتابعة دراستهم.

ونشر داعش الرعب في المدينة وكل من يخالفه هو مرتد وكافر ويحل دمه. لذا انتفض أهالي مدينة منبج أمام ممارسات مرتزقة داعش أكثر من 17 مرة، أولها كان بداية شهر حزيران من عام 2014، وقتل بعد التظاهر قرابة 21 شخصاً في المدينة.

حول مرتزقة داعش ساحات منبج المليئة بالورد إلى ساحات لنحر البشر. ونحر المرتزقة 260 شخصاً على دوار السفينة فقط، عدا عن دوار الجزيرة، والبطة، والدلة، ودوار الكرة الأرضية.

وأظهرت الصحيفة في تقريرها الصادر مؤخراً، صوراً تعرض مشاهد اتبعها داعش، ضد المعتقلات في سجون المرتزقة، ومن بينها وسادات مخضبة بالدماء ووسادات قذرة منتشرة على أرضية الزنزانات، وتم العثور في السجن على أدوات تعذيب وحشية ومخدرات ووسائل منع حمل ومنشطات جنسية.

حياة مأساوية

وتحولت منبج بعد سيطرة داعش إلى سجن كبير وتحولت الحياة الاجتماعية إلى حياة مأساوية، كل شخص معرّض للتفتيش في أي لحظة لدرجة أن أحداً لم يستطع حمل هاتف الجوال، وباشر عناصر ما كانوا يسمون بعناصر “الحسبة” يقومون بتفتيش معظم أبناء المدينة. وصادر المرتزقة أملاك ومنزل كل من كان خارج المدينة، مهما كان توجهه السياسي.

واستولى المرتزقة على مستودعات الأعلاف والمطاحن ومستودعات القمح والممتلكات العامة المتمثلة بأملاك الأوقاف والكهرباء والبلدية والصحة والتربية والمصارف. وفرض ضرائب باهظة على الصاغة وجميع المحلات التجارية الخاصة، ورفع المرتزقة إيجارات مئات المحلات التجارية التي تعود ملكيتها للأوقاف من مبلغ خمسة آلاف ليرة سنوياً إلى مبالغ تتراوح بين 25000 وحتى 200000 ليرة سورية شهرياً، كما حوّل المرتزقة الساحات العامة وبعض الحدائق وسط المدينة إلى أسواق بعد أن أزال الأشجار وبنى الأكشاك الخشبية فيها وعهدها لمستثمرين.

وتحولت منبج في تلك الفترة إلى سجن كبير، حيث منع أهالي المدينة من الخروج وتحولت الساحات العامة والمستديرات لمذابح بشرية تقام فيها حفلات الإعدام بشكل أسبوعي تقريباً لإرهاب المواطنين.

ممارسات داعش بحق كرد منبج

كما مارس داعش منذ البداية سياسة التطهير العرقي بحق المكون الكردي، حيث صادر دور ومحال المواطنين الكرد، وقتل وسجن منهم العشرات، إضافة إلى طرده الآلاف الآخرين، وجعله المدينة وريفها منصة لشن هجمات على مقاطعة كوباني المحاذية لمنبج.

أول شعب تمرد على داعش

على الرغم من ممارسات داعش الترهيبية والحصار الخانق، لم تنكسر شوكة أبناء منبج، فظل متمرداً على الواقع الذي صنعه داعش، وتتميز منبج عن سواها من المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش بأنها تمردت على داعش وحكمهم، فعمد أهلها إلى إضراب مفتوح يوم الأحد 18 أيار 2014 احتجاجاً على ممارسات داعش، واعتقل المئات ممن رفضوا الاستجابة لأوامر داعش بافتتاح محلاتهم وأعدم عدد من المضربين.

ووصل الحال بأهالي مدينة منبج إلى إدراك أن لا سبيل أمامهم إلا الموت خنقاً أو الموت بشرف، وما كان لأهالي منبج سوى الاستنجاد بمجلس منبج العسكري الذي تأسس في2 نيسان 2016، لتخليصهم من ظلم وبطش المرتزقة. وفي 1 حزيران 2016، أطلق مجلس منبج العسكري الذي يتألف من” كتائب شمس الشمال، ثوار منبج، تجمع ألوية الفرات، لواء جند الحرمين، تجمع كتائب شهداء الفرات، لواء القوصي، كتيبة تركمان منبج” حملة باسم حملة تحرير مدينة منبج وريفها من مرتزقة داعش، وفي 5 حزيران 2016 وإبان استشهاد القائد العام لكتائب شمس الشمال فيصل أبو ليلى، تحول اسم الحملة إلى حملة الشهيد القائد فيصل أبو ليلى إكراماً واحتراماً لبطولاته التي قدمها خلال الثورة.

فجر الـ12 من آب تاريخ لن ينساه أبناء المنطقة:
شهدت منبج على مر عصور متعددة من تاريخ نشأتها تحولات مهمة ألقت بظلالها على المنطقة عامة لموقعها الاستراتيجي المهم، فمن إحدى هذه التحولات كان يوم الـ12 من آب عام 2016 حيث تحررت المدينة وقراها من مرتزقة داعش .
على الرغم من ممارسات داعش الترهيبية والحصار الخانق، لم تنكسر شوكة أبناء منبج، فظل متمرداً على الواقع الذي صنعه داعش، وصل الحال بأهالي مدينة منبج لاتباع طريقين فقط، إما الموت خنقاً أو الموت بشرف، وما كان لأهالي منبج سوى الاستنجاد بمجلس منبج العسكري الذي تأسس في2 نيسان 2016 من أبناء وبنات منبج، لتخليصهم من ظلم وبطش المرتزقة.

وفي 1 حزيران 2016، أطلق مجلس منبج العسكري الذي يتألف من ”كتائب شمس الشمال، ثوار منبج، تجمع ألوية الفرات، لواء جند الحرمين، تجمع كتائب شهداء الفرات، لواء القوصي، كتيبة تركمان منبج” حملة باسم حملة تحرير مدينة منبج وريفها من مرتزقة داعش، وفي 5 حزيران 2016، الحملة انطلاقاً من جبهتين (جبهة جسر قرقوازق وجبهة سد تشرين) وأربعة محاور.

الحملة تمت على شكل مرحلتين، الأولى لتحرير قرى وريف منبج من المرتزقة والثانية لتحرير كامل المدينة.

المرحلة الأولى

الحملة تقدمت بشكل منتظم، واتخذ مجلس منبج العسكري تحرير المدنيين من ظلم وبطش داعش من أولويات حملته، لذلك شكل المجلس فرق خاصة مهامها انقاذ المدنيين، وفرق خاصة لكسر دفاعات مرتزقة داعش.

وفي 5 حزيران 2016 وأثناء تقدم قوات مجلس منبج العسكري صوب معاقل مرتزقة داعش شرقي منبج، وإبان استشهاد القائد العام لكتائب شمس الشمال فيصل أبو ليلى، تمت تسمية الحملة باسم حملة القائد الشهيد فيصل أبو ليلى لتحرير منبج وريفها وفاءً لذكراه واحتراماً لبطولاته خلال ثورة روج آفا وشمال سوريا.

وبروح الانتقام استمرت الحملة وباشر مقاتلو مجلس منبج العسكري بتحرير كامل القرى التابعة والمحيطة بمدينة منبج من يد مرتزقة داعش، من الجهات الأربعة الشرقية، الغربية، الجنوبية والشمالية، وخلال فترة زمنية تقدر بشهر تمكن مقاتلو مجلس منبج العسكري من تحرير أكثر من 200 قرية في الجهات الأربعة. وقتل خلالها ألفي مرتزق جثث أكثر من 1600 وقعت بيد مقاتلي مجلس منبج العسكري. كما حرر مقاتلو مجلس منبج العسكري أكثر من 75 ألف مدني من ظلم وبطش المرتزقة، وتم تأمينهم في أمكان وقرى تحت سيطرة المجلس.

استطاعت قوات المجلس خلال في مدة زمنية قصيرة، تحرير العشرات من القرى والمزارع في الريف، وقتل العشرات داعش وتدمير مقارهم وآلياتهم، مدعومة بطائرات التحالف الدولي، ضمن تنسيق سهل ودقيق وعلى مدار الساعة بين الطرفين. وتمكن مقاتلو المجلس خلال شهر من انطلاق الحملة من تحرير مساحة 1200 كيلو متر مربع، بدءً من جسر قره قوزاق وانتهاء بمشارف منطقة الباب.

وبعد تحرير كامل القرى المحيط بمدينة منبج وقطع مقاتلو مجلس منبج العسكري كافة طرق الإمدادات القادمة لمرتزقة داعش من منطقي الباب وجرابلس، باشر مقاتلو مجلس منبج العسكري بالمرحلة الثانية من الحملة.

المرحلة الثانية لحملة تحرير منبج

بعد إطلاق قوات مجلس منبج العسكري المرحلة الثانية لحملة تحرير المدينة في 1 تموز 2016، التقدم الميداني أصبح أكثر بطئا نظراً للتحصينات الكثيرة التي وضعها داعش في مداخل الأحياء السكنية، مع منعه المدنيين من مغادرة المدينة، واستخدامه إياهم كدروع بشرية، تفاديا للقصف الجوي للتحالف، والقصف بالأسلحة الثقيلة من جانب قوات مجلس منبج العسكري.

وكانت هجمات القوات المهاجمة تقتصر على عمليات خاصة ودقيقة من جانب الوحدات الخاصة (الفرق الخاصة بتحرير المدنيين وفرق كسر خطوط دفاعات المرتزقة) واقتحمت تلك القوات خطوط داعش بشكل مباغت وإصابة عناصره بشكل فردي، وغالبا ما كانت تستخدم الوحدات المهاجمة الأسلحة الخفيفة والقناصات، تفاديا لإلحاق الضرر بالمدنيين.

وكان داعش طيلة السنوات الثالثة لاحتلالها منبج قد بنى القواعد العسكرية والتحصينات في المدينة، وأنشأ فيها معسكرات تدريب الأطفال واليافعين الذين ساقهم إلى التجنيد وإلى “الدورات الشرعية”، وجلب الكثير منهم من المناطق التي احتلها وارتكب فيها المجازر المروعة، مثل قضاء شنكال، الذي هاجمه مرتزقة داعش 3 في آب/أغسطس 2014 م، كما جلب داعش الصغار الإيزيديين بغية إخضاعهم للتجنيد في “الدورات الشرعية”، إضافة للفتيات الإيزيديات اللواتي سباهن، للبيع والاسترقاق في المدينة.

استمرت الحملة بهذه الوتيرة حتى 2 آب، حيث كسرت قوات مجلس منبج العسكري كامل الخطوط الدفاعية والأمامية لمرتزقة داعش ونقاط تمركزهم في المدينة، وحررت 80 % من المدينة، وتم تشتيت قوات داعش ونظامهم ضمن المدينة.

مجلس منبج المدني رديفاً للمجلس العسكري

وحررت قوات المجلس العسكري خلال شهر من المرحلة الثانية للحملة 50 ألف مدني من المدينة. وتم إخراجهم من المدينة وتسليمهم إلى مجلس منبج المدني الذي شُكل في 5 نيسان2016 م، خلال اجتماع جماهيري كبير في ناحية صرين، حضره العشرات من أهالي منبج. وتم خلاله انتخاب 43 عضوا في المجلس يمثلون مختلف مكونات المنطقة الأثنية والدينية.

ولعب المجلس خلال الحملة دوراً مهماً في تنظيم الأهالي والقرى وإيجاد ملاجئ للذين كان يتم تحريرهم من خطوط الجبهات، تقديم الغذاء، الخدمات الطبية وتكفل بأمور تنظيمهم على أكمل وجه إلى حين انتهاء الحملة.

حيث قام المجلس بمؤازرة مقاطعة كوباني بافتتاح 3 مخيمات للنازحين، الذين تجاوزت أعدادهم الـ 150 ألف، أشرفت الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة كوباني على رعايتهم بشكل مباشر وقدمت الدعم اللازم لهم.

خلع السواء وإشراق نور الحرية

وبعد 73 يوما من التقدم المستمر وتدمير تحصينات داعش واقتحام صفوفه، وبتمام الساعة الـ 12.00 من يوم الـ12 من آب قام مقاتلو مجلس منبج العسكري بالهجوم الأخير على فلول مرتزقة داعش المتواجدين في شوارع حي السرب، الذين كانوا يستخدمون المدنيين الذين تم اسرهم كدروع بشرية، وفي تمام الساعة الـ 17.05، تمكن مقاتلي المجلس من كسر خطوط المرتزقة الأمامية وتحرير كامل المدنيين، والقضاء على المرتزقة.

عم الفرح أرجاء منبج بتخليصهم من ظلم داعش، حيث شوهدت النسوة وهن ينزعن النقاب الأسود ويضرمن فيه النيران، والرجال وهم يحلقون ذقونهم، والتعبيرات المختلفة عن الفرحة والسعادة بالتخلص من نير السوّاد والظلام، على يد قوات مجلس منبج العسكري حيث الحرية في القول والعيش.

وفور سماع الخبر بدأ نازحو منبج بالعودة إلى مناطقهم وتفقد دورهم، بينما عادت الحياة إلى بعض أحياء المدينة وفتحت المتاجر أبوابها.

قصم ظهر داعش

بتحرير منطقة منبج قصمت قوات سوريا الديمقراطية ظهر مرتزقة داعش وكانت بداية انهياره في سوريا، وبتحرير منبج تم تحقيق انتصار كبير على داعش، حيث حرٌرت المدينة التي كانت إحدى قلاعه في سوريا والمعقل الرئيسي للمرتزقة الأجانب وطريق إمداداتها اللوجستي من تركيا، وأثبت قوات سوريا الديمقراطية بأنها الشريك والحليف الأقوى والأكثر تنظيما للتحالف الدولي لمناهضة “داعش”، وإنها منضبطة وملتزمة بالمعاهدات الدولية في حماية المدنيين وأسرى الحرب. وأثبتت بأنها تراعي أمن الأهالي ولا تعرض حياتهم للخطر حتى ولو أدى ذلك إلى تأخر النصر والتضحية بالمزيد من مقاتليها.

والخطوة الأهم خلال عملية تحرير منبج كان تهاوي مخطط الدولة التركية في بناء “المنطقة العازلة”، وسقوط الخطوط الحمر، وتضعضع داعش وتقهقره، وهو كان الرهان الأقوى والأخير لحزب العدالة والتنمية ضمن مخططه الاستراتيجي في تصفية الكرد في شمال سوريا والنيل من فيدرالية الشمال وتأليب المكونات ضد بعضها البعض.

منبج…ازدهار كبير بعد التحرير:
تحولت مدينة منبج بعد تحريرها على يد مجلس منبج العسكري من مدينة يلفها السواد ومغلقة المداخل والمخارج، لا حياة فيها ولا روح صديقة للجوار، إلى مدينة مزدهرة وآمنة أثرت بعواملها هذه على المنطقة برمتها وجذبت آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية إليها، لكن هذا لم يمنع الأعداء من التربص بها وإيجاد سياسات عدائية جديدة ضدها.
في الـ12 من آب عام 2016 (يوم تحرير منبج)، خرجت بشائر النصر من مدينة منبج على يد مقاتلي ومقاتلات مجلس منبج العسكري الذين أعلنوا عن انتهاء حقبة داعش السوداء وبدء مرحلة جديدة سيرسم ملامحها أبناء المدينة.

منبج التي رزحت تحت حكم المرتزقة الذين جاؤوا إليها من مختلف أصقاع العالم، وتعرضت للتدمير، للقتل، والسرقة، بدأت بتنفس هواء الحرية من جديد، وتقف وهي تستند على أبنائها الأصليين.

كان مجلس منبج المدني الذي تم تشكيله قبل أسابيع من بدء الحملة وتحديداً في الـ5 من نيسان 2016، حاضراً بقوة بعد تحرير المدينة كما كان حاضراً إبان الحملة، إذ بدأ فور التحرير بتنظيف المدينة من مخلفات الحرب بالتعاون مع المجلس العسكري إضافة إلى إزالة الركام وكافة آثار الحرب.

تشكيل المجالس والكومينات أول خطوة

وعلى صعيد تنظيم أهالي المدينة والقرى، كان تشكيل الكومينات والمجالس أول خطوة لمجلس منبج المدني الذي شرع بعد أسابيع من تحرير المدينة بعقد اجتماعات للأهالي شرح فيها أهمية تشكيل المجالس المحلية للأحياء والكومينات للقرى.

وتضم المجالس والكومينات لجان خدمية مثل لجان الصحة، الخدمات، الصلح، الاقتصاد، التربية والحماية…، تعمل على تقديم كل ما يلزم الأهالي الذين يقطنون في نطاق انتشارها الجغرافي.

وبعد أشهر من العمل تمكن المجلس من تشكيل مئات المجالس والكومينات للأحياء والقرى لتبدأ عملها ويعمد الأهالي على نفسهم في التنظيم وتأمين متطلبات الحياة.

الإعلان عن الإدارة المدنية الديمقراطية لمدينة منبج وتشكيل المجلسين التشريعي والتنفيذي

واستطاع مجلس منبج المدني وبعد مضي أكثر من 8 أشهر على تشكيله أن يهيئ الأرضية للإعلان عن الإدارة المدنية الديمقراطية في مدينة منبج وتشكيل المجلس التشريعي لإدارة المدنية التي تحررت حديثاً من مرتزقة داعش.

وبهدف تنظيم العمل الخدمي والإداري في المدينة وإشراك ممثلي جميع مكونات منبج في الإدارة، أعلن المجلس في الـ 28 من شهر كانون الثاني 2017 عن توسيع صفوف مجلسه من 43 عضواً إلى 132 عضواً وعضوة ممثلين عن جميع مكونات المدينة من الشركس، الأرمن، الكرد والعرب والتركمان.

وفي الـ28 من شهر شباط 2017 أي بعد شهر من توسيع صفوفه أعلن مجلس منبج المدني عن تغيير اسمه إلى الإدارة المدنية الديمقراطية لمنبج وريفها وانتخاب زينب قنبر وإبراهيم القفطان كرئاسة مشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة ذاتها.

وكلف المجلس التشريعي الذي كان قبلاً مجلساً مدنياً الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي بمهمة تشكيل لجان مجلسهم التنفيذي، حيث استطاعت الرئاسة تشكيل مجلسها مؤلفاً من 13 لجنة وهي لجنة الخارجية، الداخلية، الصحة، الدفاع، المرأة، الثقافة، البلديات، الشؤون الاجتماعية والعمل، المالية، الاقتصاد، الشباب والرياضة، التربية ولجنة عوائل الشهداء، لكل منها رئاسة مشتركة صادق عليهم المجلس التشريعي في الـ 12 من شهر آذار من العام ذاته.

واقع المدينة نحو الأفضل

وبعد تشكيل المجالس والكومينات والانتهاء من إزالة مخلفات الحرب والدمار الذي لحق بالمدينة جراء المعارك التي شهدتها إبان التحرير، دخلت مدينة منبج مرحلة جديدة وبدأت ملامح الحياة فيها تتغير.

ففي ظل الأزمة التي كانت تعيشها مدن سورية كثيرة، شهدت منبج نهضة عمرانية، اقتصادية وخدمية ضخمة كان العامل الرئيس فيها هو الأمن الذي وفرته القوات(قوات مجلس منبج العسكري) التي تدافع عنها.

فتشكلت أغلب المؤسسات الخدمية، التعليمية، والاقتصادية والأمنية، وهي التي تكفلت بتنظيم شكل الحياة في المدينة.

فتحولت منبج بفضل ذلك إلى عقدة مواصلات في الشمال السوري، إلى جانب تحولها لأكبر مركز تجاري في الشمال السوري، وهذا الأمر ساهم في تضخم معدل عدد سكانها.

حيث شهدت منبج حركة تجارية كثيفة على صعيد الصادرات والواردات حتى باتت تمد مناطق الشمال السوري بالكثير من المواد التجارية الأساسية بكميات كبيرة.

فسعت الإدارة إلى نشر مفهوم الجمعيات التعاونية التي تم تشكيل العديد منها، وساهمت في افتتاح مشاريع عدة في المدينة من أبرزها الصيدلية المركزية وما يزال العمل جارِ على افتتاح مول تجاري مركزي في المدينة.

نهضة في قطاع التربية والخدمات

وفور تحرير المدينة ما كان لمجلس منبج المدني إلا العمل على افتتاح المدارس ودربت المئات من المعلمين والمعلمات للإشراف على العملية التربوية التي انطلقت بعد التحرير بعد أكثر من 3 أعوام على الانقطاع من التعليم.

ففي عام 2017 افتتحت 340 مدرسة من أصل 400 مدرسة متواجدة في منبج، قصد هذه المدارس ما يزيد عن الـ120 ألف طالب وطالبة.

هذا غير افتتاح أكاديميات التوعية الفكرية، كأكاديمية الشبيبة التي تسمى بـ”أكاديمية الشهيد هوزان جان، وأكاديمية الشهيد اسماعيل ابو حسين التي خرجت المئات من أعضاء المؤسسات العاملة في المدينة والريف.

وكان للمؤسسات الخدمية التي فعلتها إدارة منبج بعد التحرير دور بارز وكبير في إحياء المدينة، فمع تفعيل البلدية عاد للمدينة رونقها الجميل، حيث عملت الأخيرة على صيانة وتعبيد الشوارع إضافة إلى الجسور الرئيسية في المدينة، هذا غير العمل على صيانة شبكات الكهرباء وإيصال التيار الكهربائي من سد تشرين إلى مركز المدينة. إضافة إلى افتتاح العديد من الأفران أسوة بالمطاحن التي تسد حاجة المدينة من مادة الخبز.

كما سعت الإدارة للرقي أكثر بالواقع التنظيمي في منبج وريفها عندما شجعت خطوة تشكيل الاتحادات، مثل اتحاد الفنانين والمثقفين، واتحاد صاحبي المولدات الكهربائية وغيرها الكثير من الاتحادات.

الحماية

وتكفلت قوات مجلس منبج العسكري بحماية حدود المدينة من هجمات الجهات المعادية، حيث تصدت في العديد من المرات لهجمات جيش الاحتلال التركي ومرتزقته على جبهات متعددة في منبج، فيما عملت قوى الأمن الداخلي التي تم تشكيلها عقب تحرير المدينة على صون الأمن داخل مدينة منبج وقراها.

واقبل شبان وشابات منبج بشكل كثيف على الانضمام إلى قوات مجلس منبج العسكري، حيث افتتح المجلس العديد من الأكاديميات لتدريب المقاتلين والضباط داخل صفوفه، من أبرز الأكاديميات أكاديمية الشهيد فيصل أبو ليلى التي فاق عدد المنضمين إليها الآلاف في مسعى منهم الحفاظ على أمن وسلام مدينتهم.

الحضن الدافئ للنازحين

ولأن جميع مقومات الحياة توفرت في مدينة منبج وريفها ولاسيما عامل الأمن والسلام، تحولت مدينة منبج التي كانت فيما مضى سجناً إبان سيطرة داعش عليها إلى موطن للنازحين الذين توافدوا إليها من مختلف المناطق السورية التي شهدت حرباً ضروس.

ووصل عدد النازحين في منبج في بعض الأحيان إلى أكثر من 100 ألف نازح، فيما كان العدد ينزل ويصعد بحسب الأوضاع العسكرية والمدنية على الساحة السورية وخاصة الرقع الجغرافية المجاورة لمنبج.

واستقبلت إدارة منبج النازحين في مخيمين هما مخيم منبج الشرقي والغربي، ضمت هذه المخيمات مئات الخيمات واشرفت الإدارة بالتعاون مع بعض المنظمات الإنسانية على رعايتهم.

مثال في التعايش المشترك ونموذج لسوريا المستقبلية

وأضحت مدينة منبج وريفها التي عرفت على مدى التاريخ بتنوعها الثقافي والعرقي والاثني بعد تحريرها من داعش مركزاً للتعايش المشترك فيما بين مكونات المنطقة من العرب، الكرد، التركمان والشركس، الذين تشاركوا سوية في إدارة منطقتهم في ظل الإدارة المدنية الديمقراطية وحموها إلى جانب بعضهم البعض في سياق مجلس منبج العسكري.

وفي حين كان الصراع القومي يتعالى في سوريا، عملت المكونات هذه إلى جانب بعضها البعض على إدارة نفسها ومنطقتها، حتى أصبحت المنطقة نموذجاً لسوريا المستقبل ومثال في التعايش المشترك.