مَجلِسُ منبجَ العسكريّ.. الدّرعُ الحصينُ في مواجَهةِ الاحتلالِ والإرهابِ

مَجلِسُ منبجَ العسكريّ.. الدّرعُ الحصينُ في مواجَهةِ الاحتلالِ والإرهابِ
هل هناك أحد من العقلاء يستطيع أن ينسفَ ما قدَّمته حملة تحرير منبج للأهالي، وعلى كُلِّ الأصعدة. لا أعتقد ذلك أبداً.
لنتَّفق أنَّ ما أنجزته القوّات العسكريّة في حملة تحرير منبج لن يُمحى من ذاكرة أحد في منبج، لا لشيء، إنَّما يُحسَبُ هذا الإنجاز أنَّه تحقَّق أمام تنظيم “داعش”، وما أدراك ما تنظيم “داعش”؟ إنَّه أعتى قوّةٍ إرهابيّة في العالم.
لم تكن حملة تحرير منبج مجرَّدَ قرار عابر، بل كانت خطوة مصيريّة، وكان هذا القرار نابعاً من إرادة الشَّعب وليس من قرارات النُّخب السِّياسيّة والعسكريّة. فقد صُدِرَ القرار من إرادة المجتمع، حيث أصبح الموت والحياة سيّان لدى الأهالي، بعد أن بات قرار انطلاق الحملة في أيّ لحظة من ذاك الزَّمن الفارق في تاريخ المدينة.
منبج.. مدينة الأحلام المؤجَّلة، التي عانت من الاحتلال والظلم والقهر في ظل سيطرة “داعش”، ولم تجد من ينصرها وينقذها من براثن التَّنظيم الإرهابيّ الذي انتزع حُرّيَّتها وكرامتها عام 2014 غير عزيمة أبنائها من قوّاتها العسكريّة. عامان من الجحيم والإرهاب مرّا على المدينة، احترف التَّنظيم المتطرّف سياسة الخوف والقمع والتشدُّد على الأهالي، بينما تخلّى عنه كُلّ من تعاون معه أو خانه أو خذله. لكن إذا وُجِدَت النيّة لإحداث التغيير؛ فإنَّ النِّصف الآخر من العمل بالمحصلة سيَتُمُّ إنجازه.
بالفعل ما حدث أنَّ منبج لم ترضخ لليأس والضعف، بل ثارت ونادت وطالبت بالحُرّيّة وناضلت من أجلها بعد أن ثبَّتت قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة قدمها في كوباني، صرّين وسدّ تشرين، وكان لا بُدَّ من الإجابة على نداء منبج التي تستحقُّ التَّضحية والفداء.
في الأوّل من شهر يونيو/ حزيران 2016، أطلق مجلس منبج العسكريّ؛ الذي يَضُمُّ نُخبَةً من المقاتلين الثَّوريّين من كتائب “شمس الشّمال، ثوّار منبج، جُندُ الحرمين، ولواء شهداء الفرات. حملة التَّحرير، التي انطلقت من محورين: الأوَّل، من سَدّ تشرين وسلسلة الجبال الجنوبيّة (شاش حمدان، جبل أم السرج، العوسجلي، جامعة الاتّحاد). والمحور الثّاني، من جبال “قره قوزاك، وجبل الحمام ونهر السّاجور) ليلتقي المحوران عند جامعة “الاتّحاد” ويحيط بالمدينة كخاتم من حديد.
في هذه المعركة المصيريّة؛ كان لا بُدَّ من دفع ثمن باهظ لإزالة رمز الظلام. ففي اليوم الخامس لحملة التَّحرير، استشهد رائد الشُّهداء في مجلس منبج العسكريّ وقائد كتائب شمس الشَّمال “فيصل أبو ليلى”، فأضاء شُعلة التَّحدي في قلوب رفاقه، وأطلق على الحملة اسمه، تخليداً لذكراه وإكمالاً لطريقه نحو التَّحرير. وضحّى العديد من رفاق “فيصل أبو ليلى” بدمائه الزكيّة، مقاتلين ومقاتلات ومن جميع مكوّنات المجتمع المنبجيّ، خصوصاً المرأة التي أثبتت جدارتها في رفع راية الانتصار.
وبرغم قسوة المعارك، فقد كان المقاتلون يحملون في قلوبهم حُبَّ الحياة والإنسانيّة، فأسعفوا من أصيب من المدنيّين برصاص “داعش” الإرهابيّ أو بألغامه، وقدَّموا لهم للحماية من القنص والقصف. ولم يكن المدنيّون في منبج مجرَّد ضحايا؛ بل كانوا أبطالاً. فقد استمرَّت إرادتهم وفرحتهم في النِّضال من أجل نيل حُرّيّتهم وحماستهم لتحرير مدينتهم، رغم أنَّ “داعش” الإرهابيّ حوّلهم إلى دروعٍ بشريّة لتأخير هزيمته. ولكن لا شيء كان قادراً على إيقاف مسيرة التَّحرير التي قادها مجلس منبج العسكريّ بحكمة وشجاعة. فقد اختار المجلس التقدّم بحذر وبطء، لحماية حياة المدنيّين، ولإنهاء المعركة بأقل خسائر ممكنة.
في 15 أغسطس/ آب من عام 2016، شهدت مدينة منبج نهاية ملحمة تاريخيّة، استمرَّت لـ/75/ يوماً من الصمود والصَّبر والكفاح ضُدَّ قوى الظلام والإرهاب. فقد أعلن مجلس منبج العسكريّ، الذي قاد عمليّة التَّحرير بدعم من التَّحالف الدّوليّ، طرد تنظيم “داعش” من آخر معاقله في المدينة وتطهيرها من ذيوله. وبذلك أعاد المجلس الحياة والأمل إلى أهالي المدينة، الذين عانوا من قهر وظلم “داعش” لأكثر من عامين. وسَلَّمَ المجلس العسكريّ إدارة المدينة إلى مجلسها المدنيّ، الذي يُمثّل جميع مكوّناتها العرقيّة والدّينيّة، وانسحب إلى ثكناته، ليستعدَّ لمعارك أخرى. ومنذ ذلك التاريخ، تعيش منبج بسلام وأمان، حيث عاد إليها الجميع، العرب، الكُرد، التُّركمان والشَّركس، في لوحة فنيّة تعبر عن التآخي والتَّعايش، وتشكّل نموذجاً للدّيمقراطيّة والتنوّع في سوريّا.
في ظِلِّ الحرب والفوضى التي تعصف بسوريّا، استطاعت منبج أن تنهض من رمادها كطائر الفينيق، وتزدهر في كُلّ المجالات، سواءً الزِّراعيّة أو الصِّناعيّة أو الخدميّة أو الثَّقافيّة. فقد أصبحت المدينة مثالاً يحتذى بها في الدّيمقراطيّة والتَّنمية، وملاذاً آمناً للنّازحين واللّاجئين، الذين يلمسون فيها الحُرّيّة والكرامة. لكن هذا الأمر جعل منها هدفاً للطامعين والحاقدين، الذين يريدون إفشال تجربتها الفريدة، وإعادتها إلى دائرة الصّراع والعنف، فتارَّةً تقصف دولة الاحتلال التُّركيّ، وبشكل عشوائيّ قرى ريف منبج، مخلّفة شُهداء وجرحى ودماراً، وتارَّة أخرى يُهدِّدُ بغزوها وإخضاعها، مستخدماً حججاً واهية ومزاعم كاذبة.
في مواجهة التَّهديدات والمؤامرات؛ لم يتخلَّ مجلس منبج العسكريّ عن دوره في حماية هذه الأرض وصَدِّ أيِّ هجوم محتمل، بالتَّعاون مع الأهالي، الذين يثقون به كحارس أمين لثورتهم، وضامناً للاستقرار والأمن في منبج.

المركز الإعلامي #لمجلس_منبج_العسكري